إن التأكيد المتكرر على وجوب صيانة الوحدة الوطنية،في التصاريح الإعلامية ، والمتناقض مع الممارسة السياسية والإنمائية ، يوحي بأن شعار ( الوحدة الوطنية ) ، صعب المنال أو التحقيق ، خلافا لما يقوله الجميع ، في خداع مستمر،منذ الإستقلال حتى الأن ، وتشكل ثقافة ( السيطرة ) والإستئثار ، المرتكزة على ثقافة النخوبية ،والإرتقاء الثقافي والإجتماعي ، عند بعض المجموعات الطوائفية اللبنانية ، عائقا أمام الإندماج الوطني وتوحيد الموقف السياسي والوطني على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وقد شكلت الحرب الأهلية مفصلا أساسيا في تغيير هيكلية الحكم في لبنان والتموضع السياسي والوظيفي داخل النظام والإدارة ، وبدلت مواقع السيطرة ، على مستوى الطوائف فيما بينها ، وكذلك داخل الطوائف نفسها ، وكذلك في المنظومات والشخصيات السياسية.
فعلى صعيد الطوائف : تبدلت الثنائية ( المارونية – السنية ) الحاكمة للنظام، إلى ثلاثة طوائف حيث انضم الشيعة إلى (الترويكا السياسية) .
وعلى صعيد الطوائف سبق الشيعة ،الطوائف الأخرى بتغيير قواعد اللعبة السياسية على مستوى التمثيل السياسي ، حيث أسقط الإقطاع السياسي ، على مستوى العائلات وتم استبداله بالتنظيمات السياسية المتمثلة بالثنائية السياسية ( حركة أمل - حزب الله ) المسيطرة على القرار الشيعي.
أما على صعيد السنة فقد تم إلغاء البيوت السياسية في بيروت ، وحوصر آل كرامي في طرابلس وسعد والبزري في صيدا ، لحساب ( عائلة الحريري ) المدعومة عربيا وخارجيا، كمشروع سياسي ، يمتلك الإمكانيات المادية والإعلامية ، مع ظاهرة مميزة ، وهي غياب العمل الحزبي المنظم الفاعل على مستوى الطائفة السنية بحيث تحولت السيطرة إلى أحادية حريرية.
وعلى الصعيد المسيحي عامة والماروني خاصة لا زالت ( المساكنة والمنافسة ) بين العمل الحزبي المولود عائليا ( الكتائب – الجميل ) - ( المردة – فرنجية ) - ( الأحرار – شمعون ) وبين العمل الحزبي غير العائلي والذي ينعت ( بالطارئ ) والمرحلي ، كالتيار الوطني الحر ، وتشكل ثقافته السيطرة المحرك الرئيسي للعلاقات القوى السياسية المارونية ، وكذلك بين الشخصيات السياسية ، مع تنافس جانبي للفوز بالسيطرة على القرار ، بين الكنيسة في بكركي ، وبين العمل السياسي المدني.
وفي الطائفة الدرزية ، كانت السيطرة الأحادية ( لآل جنبلاط ) الذين صنعوا معادلة فريدة حيث تم تذويب العائلة بالحزب والحزب بالعائلة ، حيث يتم إظهار العائلة أو الحزب وفق المصلحة وكذلك الظروف السياسية . وتطفو على المستوى السياسي،عند جميع الطوائف ظاهرة ( المال ) لشق الطريق السياسي سواءداخل الأحزاب أو خارجها فنرى أن طبقة رجال الأعمال والمقاولين والأثرياء ، تستأثر بعواطف المرجعيات والأحزاب ، نتيجة ( الهدايا ) الخاصة ، مقابل إتخاذها أيضا كقناع لمشاريع الإلتزامات والتعهدات التي تؤمن المدخول المتعددة الفوهات ، للشخصيات والمراجع السياسية .
ولذا فإن ( ثقافة السيطرة ) تشكل المحرك الرئيسي للمنظومة السياسية بين اللبنانيين ، وداخل مكوناتهم الطائفية ، التي لا ترضى القبول بالأخر ، إلا كتابع أو منفذ ، أو نصير ، ولا يمكن القبول بالأخر كمنافس ، أو صاحب وجهة نظر معاكسة.وكل مجموعة سياسية ( حزبا أو تنظيما ) وكل مجموعة طائفية ( طائفة أو مذهبا ) تعمم فكرة الإنقضاض والسيطرة على الأخر ، وبالتالي تحضر داخليا لقلب الموازين ، وتنتظر الظروف الخارجية لإستغلالها ، أو توظيف نفسها في خدمة المشاريع والمصالح الخارجية ، لتحصل على بعض الفتات السياسي أو الإداري ، بعنوان ( التبعية ) ( أو الأداة ) الملطف لغويا باسم ( التحالف ) مع فقدان التوازن والندية.
ولذا فإن الوحدة الوطنية ، شعار يرفعه الجميع ولا يمارسه أحد . ولا يمكن تحقيقه في ظل ثقافة السيطرة أو التبعية ، والتاريخ السياسي والماضي الحاضر يؤكدان على ذلك ، فما زلنا نتحدث عن ( العيش المشترك ) ( أو التعايش ) ( والإئتلاف الوطني ) والمشاركة الوطنية . ولم نتفق يوما على مستوى تحديد العدو والشقيق والصديق،ففي أكثر الحالات نفورا من حيث ( العداوة المتمثلة بإسرائيل ) ، رأينا في عام 1982 قسما من اللبنانيين يشارك الإسرائيليين في حصار جزء من اللبنانيين وفي قتلهم أيضا ، وفي تموز2006 لم يختلف الحال بل تغير الموقف من المشاركة بالعمل الميداني ضد المقاومة وأهلها ، إلى الموقف السياسي الذي برر لإسرائيل عدوانها وقتلها ، إلى الموقف من أميركا وسوريا وإيران ، فأي وحدة وطنية في لبنان نتحدث عنها.
- أين الموقف الوطني الموحد من العداء لإسرائيل...؟!واحتلالها وعدوانها وخروقاتها، والأمانة العامة لـ 14آذار تساوي بين الخروقات بين الطرفين ( المقاومة وإسرائيل ) كجهة محايدة مصابة أما بالعمى السياسي أو بالحقد الأعمى ، أو بالكتابة العمياء .
-أين الموقف الوطني الموحد من سوريا والقضية الفلسطينية والتوطين...؟!.
- أين الموقف الوطني الموحد من التقسيم والفيدراليات...والكونفدرالية...؟!.
-أين الموقف الوطني الموحد من قانون الإنتخابات واللامركزية والإنماء المتوازن...؟!.
-أين الموقف الوطني الموحد من إلغاء الطائفية السياسية أو العائلية السياسية...؟!.
- أين الموقف الوطني الموحد من كتابة ( التاريخ الموحد ) للبنان...؟!.
- أين الموقف الوطني الموحد من الخصخصة والقطاع العام...؟
- أين الموقف الوطني الموحد ، ولكل طائفة مدرستها ، وجامعتها ، ومستشفاها ، ومكتبها ، وسوقها التجاري ، وإذاعتها ، وصحيفتها ...الخاصة ، ومحاكمها ، و...، وخدماتها الإجتماعية ،بمعنى أن كل طائفة تتمتع بحكم ذاتي يتطور ديمغرافيا، بالتوازي مع بقية الطوائف ، ليصبح التقسيم العملاني واقعا ملموسا لا ينقصه سوى الإعلان الرسمي... ويتحدثون عن الوحدة الوطنية....؟!.
وطالما أن أساس الوحدة الوطنية غير موجود،فإن حكومة الوحدة الوطنية مطلب ( خيالي ) غير واقعي ، وكل ما يستطيع اللبنانيون تحقيقه تشكيل حكومة ( مهادنة ) أو مساكنة سياسية يتطلبها الخارج الإقليمي والدولي تبعا للظروف والمصالح ، بحيث أن الحكومة اللبنانية المتوقع تشكيلها تمثل مرآة للإنسجام أو التنافر الأقليمي أو الدولي وموعد تشكيلها لا يحدده اللبنانيون ، بل الظروف الخارجية المرتبطة بالعراق وإيران وسوريا وفلسطين ، وكل من يحدد موعدا للتشكيل يكون ضاربا ( بالمندل السياسي ) الذي سيخطئ كثيرا ، ويمكن أن يصيب قليلا بالصدفة ولن ينفع صيام أو إفطار فمدفع الإفطار خارجي التوقيت ، ودور اللبنانيين سماع التعليمات وتنفيذ الأوامروالتمنيات... وكل وحدة وطنية...والجميع بخير...؟!؟